متلازمة كوشينج والفرق بين متلازمة كوشينج ومرض كوشينج

تتحكم الهرمونات إلى حد كبير في الجسم البشري وتعمل على ضبط تفاعلاته ووظائفه الفسيولوجية، فيتسبب ضعف إفراز الهرمونات في الكثير من الأمراض، وكذلك الزيادة المفرطة فيها كما هو الحال في متلازمة كوشينج أو متلازمة وجه القمر، إحدى الحالات النادرة الناتجة عن خلل هرموني في الجسم.

نسلط الضوء في هذا المقال على هذه المتلازمة وأسباب الإصابة بها وأعراضها بالإضافة إلى طرق علاجها.

ما هي متلازمة كوشينج وما أسباب الإصابة بها؟

تُعرف متلازمة كوشينج أيضًا باسم فرط نشاط الغدة الكظري أو قشرة الكظرية، وتعد من الأمراض النادرة التي يُصاب بها من 10 إلى 15 حالة فقط في الولايات المتحدة سنويًا، وتنتج عن زيادة مستوى هرمون الكورتيزول في الدم، والذي يلعب دورًا هامًا في:

  • تنظيم معدل الجلوكوز في الدم.
  • الحفاظ على ضغط الدم في معدلاته الطبيعية.
  • مضاد قوي للالتهابات.

وتحدث تلك الزيادة المستمرة في الكورتيزول نتيجة أحد الأسباب التالية:

  • تناول الكورتيكوستيرويدات لفترة طويلة، مثل البريدنيزولون لعلاج بعض حالات التهاب العظام والمفاصل، والربو، وبعض أمراض الحساسية.
  • الإصابة بورم في الغدة النخامية أو الغدة فوق الكلوية (الغدة الكظرية)؛ مما يؤدي إلى فرط إفراز الكورتيزول في الدم.
  • فرط إفرازهرمون ACTH (الهرمون المنشط لقشر الكظرية)، وهو الهرمون المسؤول عن تنظيم إفراز الكورتيزول، وفي بعض الحالات النادرة التي لا تتجاوز 10% يكون زيادة إفراز هذا الهرمون ناتجًا عن ورم في عضو لا يفرز هرمون ACTH في حالاته الطبيعية، مثل: الرئة، أو البنكرياس، أو الغدة الدرقية.

سمات المرض والأعراض الشائعة

قد تختلف أسباب المرض من شخص إلى آخر، ولكن مع تفاقم الحالة وانتشار المرض تتشابه السمات المصاحبة له، وتظهر الأعراض في صورة:

  • يظهر الوجه باللون الوردي وبشكل مستدير يشبه استدارة البدر؛ لذا يطلق عليها متلازمة وجه القمر.
  • تراكم الدهون في الجزء العلوي من الظهر وأسفل الرقبة، ويظهر في صورة تحدب دهني ويُعرف باسم “سنام الجاموس”.
  • ارتفاع ضغط الدم.
  • ارتفاع مستوى السكر في الدم.
  • زيادة نمو الشعر في الجسم والوجه.
  • هشاشة العظام وضعف في العضلات خاصةً عضلات الذراعين.
  • الشعور الدائم بالوهن والإجهاد.
  • الإصابة باضطرابات النوم والأرق والاكتئاب.
  • ترقق الجلد وظهور كدمات وعلامات تمدد ذات لون أرجواني داكن خاصةً على البطن والصدر والذراعين.
  • ضعف الرغبة والقدرة الجنسية عند الرجال.

قد يؤدي فرط نشاط الغدة الدرقية إلى الإصابة بمضاعفات خطيرة تصل إلى حد الوفاة، إذا لم تُعالج سريعًا ومن ضمن تلك المضاعفات:

  • داء السكري من النمط الثاني.
  • الجلطات والنوبات القلبية.
  • جلطات في الرئتين أو الساقين.

الفرق بين متلازمة كوشينج ومرض كوشينج

يعد مرض كوشينج (أو كوشينغ) الشكل الأكثر شيوعًا لمتلازمة كوشينج حيث يمثل أكثر من 70% من إجمالي الحالات، ويُعرف أيضًا باسم متلازمة كوشينج الذاتية، ويقصد به أن ارتفاع معدل الكورتيزول في الدم ناتج عن الجسم ذاته نتيجة الإصابة بورم في الغدة النخامية؛ مما يحفز الغدة الكظرية لإفراز الكورتيزول بشكل متزايد مع مرور الوقت.

ومن الجدير بالذكر أنه، يشمل مصطلح متلازمة كوشينج كلا من ارتفاع الكورتيزول لأسباب ناتجة عن خلل داخلي في الجسم (أورام سرطانية أو حميدة)، وكذلك الناتج عن تناول الستيرويدات لفترة طويلة.

متلازمة كوشينج الزائفة

يظهر في هذه الحالة نفس الأعراض والسمات المصاحبة لمتلازمة كوشينج بما في ذلك زيادة معدل هرمون الكورتيزول في الدم دون الإصابة بأورام في الغدد؛ لذا أُطلق عليها (فرط الكورتيزول غير الورمي)، ولكن تظهر الأعراض نتيجة لعدة أسباب أخرى، نذكر منها:

  • فرط تناول الكحوليات.
  • السمنة المصاحبة لمقاومة الإنسولين.
  • متلازمة المبيض متعدد التكيسات.
  • تناول حبوب منع الحمل لفترات طويلة.
  • المراحل المتأخرة من الاعتلال الكلوي.

يصعب التمييز في الحقيقة بين الأنماط المختلفة لارتفاع الكورتيزول في الدم بما في ذلك متلازمة كوشينج الزائفة وفرط نشاط الغدة الكظرية (متلازمة كوشينج الحقيقية)، ولكن بعد الفحص السريري والحصول على التاريخ المرضي للمصاب يمكن الاستعانة ببعض الخطوات للتفرقة بينهما:

  1. يجب استبعاد الأسباب الثانوية المسببة لارتفاع الكورتيزول، مثل: متلازمة تكيس المبايض، لما لها من أعراض تتشابه إلى حد كبير مع فرط نشاط الغدة الدرقية.
  2. في المرضى الكحوليين الذين يعانون ارتفاعًا في هرمون الكورتيزول، لا يلبث أن يعود الهرمون إلى مستوياته الطبيعية في غضون خمسة أيام عقب الامتناع عن تناول الكحول.
  3. يرتفع هرمون الكورتيزول نتيجة بعض الأسباب، منها: التوتر والاضطرابات النفسية، أو الحمل.

التشخيص

يمكن التفرقة بين الإصابة بمتلازمة كوشينج الحقيقية والزائفة أو غيرها من الأمراض المصاحبة لارتفاع الكورتيزول بواسطة عدة اختبارات معملية متخصصة:

  • فحص الكورتيزول في البول: يُلاحظ ارتفاعًا في مستوى كل من هرمون الكورتيزول و ACTH، في عينة البول للمريض المجمعة على مدار 24 ساعة.
  • فحص التثبيط بالديكساميثازون: يُجرى هذا الاختبار لتأكيد التشخيص ومعرفة إذا كانت الأعراض بسبب الإصابة بمتلازمة فرط الكظرية أو حالة، مثل: الاكتئاب أو الفشل الكلوي أو إدمان الكحوليات، عن طريق تناول الديكساميثازون بجرعة صغيرة مساءً، وقياس نسبة الكورتيزول بالدم في صباح اليوم التالي.
  • فحص الكورتيزول في اللعاب: إحدى الطرق المستخدمة لمتابعة مستوى الكورتيزول الذي يصل أقل معدلاته أثناء النوم، ويمكن الحصول على عينة من اللعاب في وقت متأخر من الليل، التي تظهر بها مستويات مرتفعة للغاية من الكورتيزول في حالة الإصابة بمتلازمة كوشينج.
  • مراقبة مستوى الكورتيزول على مدار اليوم: يفقد المصابون بمتلازمة كوشينج الحقيقية التفاوت في مستوى الكورتيزول بين الليل والنهار، فيظهر مرتفعًا على مدار اليوم، بينما في الحالات الطبيعية تصل مستويات هرمون الكورتيزول إلى أقل معدلاتها ليلًا أثناء النوم.

قد يوصي الطبيب بإجراء أشعة مقطعية أو التصوير بالرنين المغناطيسي لتشخيص حالات ورم الغدة النخامية أو غيرها من الأورام المؤثرة على فرط إفراز الكورتيزول في الدم.

متلازمة كوشينج والحمل

تزيد احتمالية الإصابة في السيدات ثلاثة أضعاف معدل الإصابة في الرجال، ويكون ارتفاع الكورتيزول في السيدات مصحوبًا بعدة مضاعفات، مثل:

  • اضطراب الدورة الشهرية.
  • ضعف التبويض.
  • الإصابة بتكيسات المبايض.

فنجد أنه نادرًا ما يحدث حمل في السيدات اللاتي يعانين من فرط نشاط الغدة الكظرية، بالإضافة إلى ارتفاع فرص الاجهاض وفقدان الجنين في حالة حدوث حمل؛ لذا فإن التشخيص والعلاج المبكر لهما أهمية بالغة في الحفاظ على صحة وسلامة الأم والجنين.

متلازمة كوشينج في الأطفال

يؤثر فرط نشاط الغدة الكظرية وزيادة إفراز هرمون الكورتيزول لفترات طويلة على الأطفال قبل مرحلة البلوغ بشكل واضح، فيظهر على الأطفال المصابين بتلك المتلازمة عدة سمات، مثل:

  • ضعف شديد في النمو، مع زيادة مفرطة في الوزن.
  • تأخر ملحوظ في البلوغ.
  • فرط كالسيوم الدم.
  • ارتفاع الكوليستيرول في الدم.

غالبًا ما تكون حالات الإصابة في الأطفال ناتجة عن تناول الكورتيكوستيرويدات بجرعات عالية ولفترات طويلة؛ لذا يجب مراجعة الطبيب المختص لضبط جرعات الأدوية أو استبدالها إن أمكن، والسيطرة على الأعراض المصاحبة.

علاج متلازمة كوشينج

يعتمد علاج هذه المتلازمة على تشخيص السبب الرئيسي للإصابة بها، والتعامل معه بالطريقة السليمة وبعدها تبدأ الأعراض في الاختفاء تدريجيًا، وكلما كان تشخيص المرض مبكرًا، تطلبت وقتًا أقل في الشفاء والتعافي، ومن الطرق المتبعة للعلاج:

  • الجراحة: قد يتطلب الأمر التدخل الجراحي لاستئصال الورم المسبب لفرط الكورتيزول في إحدى المستشفيات الطبية المتخصصة لإجراء مثل تلك الجراحات، والتي تتعدى نسبة نجاحها 80% من الحالات.
  • العلاج الإشعاعي: في بعض الحالات المتقدمة التي تعاني مضاعفات بالغة لا يمكن اللجوء للتدخل الجراحي، ولكن يوصي الطبيب المعالج باتباع نمط من العلاج الإشعاعي الموجه يطلق عليه “الجراحة الإشعاعية التجسيمية”، وفي بعض الحالات يكون العلاج الإشعاعي مكملًا للعلاج الجراحي والدوائي.
  • العلاج الدوائي: تُستخدم الأدوية للوصول إلى معدلات الكورتيزول الطبيعية في الدم عن طريق آليات مختلفة، مثل:
    • مثبطات ACTH: تعمل بشكل مباشر على الغدة النخامية في المخ، ويستجيب لها أكثر من 25% من المرضى، وتبدأ الأعراض في الاختفاء خلال شهرين من بداية العلاج.
    • مثبطات الغدة الكظرية: بواسطة مجموعة من الأدوية، مثل: كيتوكونازول (عقار مضاد للفطريات) يستخدم لعلاج فرط إفراز الكورتيزول كعرض جانبي له عن طريق استهداف الغدة الكظرية بشكل مباشر.
    • حاصرات مستقبلات الكورتيكوستيرويد: مثل عقار ميفيبريستون الذي يستخدم للحد من الأعراض المصاحبة لفرط الكورتيزول في الدم وخاصةً ارتفاع السكر في الدم.

تختلف الآلية المتبعة للعلاج من حالة إلى أخرى وفقًا لمدى الإصابة والمضاعفات وحالة المريض الصحية؛ لذا يجب استشارة الطبيب المعالج واتباع خطة العلاج الموصوفة بدقة بالغة، والتوجه فورًا للطبيب المختص في حالة ظهور أي أعراض مرة أخرى.

يرتبط هرمون الكورتيزول ارتباطًا وثيقًا بالتوتر؛ لذا فإن ممارسة الرياضة بشكل منتظم واتباع نمط حياة صحية، بالإضافة إلى التغذية السليمة والحصول على الدعم النفسي من الأصدقاء والعائلة من أهم العوامل التي تؤثر على مصابي متلازمة كوشينج؛ فتقلل كثيرًا من الأعراض لديهم، كما تقلل من فرص إعادة الإصابة به مرة أخرى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى