متلازمة كانر: الأسباب والأعراض والعلاج
يخلط الكثير من الأشخاص بين متلازمة كانر ومتلازمة اسبرجر ومتلازمة ريت وعلاقتهم أيضًا باضطراب طيف التوحد. ولمعرفة سبب الخلط بين تلك المتلازمات وربطها باضطراب طيف التوحد علينا أن نعرف أكثر عن إعاقات النمو الشامل.
تعريف إعاقات النمو الشامل
هي حالات اضطراب ذاتي بيولوجي عصبي. يتمثل في توقف النمو على المحاور الغوية والمعرفية والانفعالية والاجتماعية أو فقدانها بعد تكوينها. بما يؤثر سلبًا على بناء الشخصية. وتطلق بعض الدوائر العلمية على هذه المجموعة مصطلح (طيف التوحد). ويقع تحت هذه المجموعة الإعاقات الأتية:
- التوحد أو الذاتوية Autism.
- متلازمة اسبرجر Asperger syndrome.
- متلازمة ريت Rett syndrome.
- اضطرابات الطفولة التفككي.
- اضطرابات النمو غير المحددة.
ومن هنا يأتي الخلط بين تلك المتلازمات واضطراب طيف التوحد لأنهم جميعًا يندرجون تحت مجموعة المصطلح (طيف التوحد) ولكن من المؤكد أنهم يختلفون في بعض الخصائص والأعراض.
متلازمة كانر وعلاقتها باضطراب التوحد
متلازمة كانر (Kanner Syndrome) هي إحدى الاضطرابات العديدة المصنفة باضطرابات التوحد وتسمى أيضًا بالتوحد الكلاسيكي أو التوحد منخفض الأداء. وهي أشد أنواع التوحد وأصعبها.
يعرف اضطراب طيف التوحد بأنه اضطراب عصبي نمائي يتميز بقصور أو توقف نمو الإدراك الحسي واللغة، وبالتالي في نمو القدرة على التواصل والتخاطب والتعلم والنمو المعرفي والاجتماعي. ويصاحب ذلك الانطوائية و انغلاق الذات مع جمود عاطفي وانفعالي، ويصبح كأن جهازه العصبي قد توقف عن العمل تمامًا.
ومن الجدير بالذكر أن الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية الخامس (DSM 5) لا يعترف بمتلازمة كانر كتشخيص منفصل، بل تندرج تحت مستويات التوحد أو الذاتوية وهي أشد مستويات التوحد أعراضًا.
أسباب متلازمة كانر
التوحد اضطراب دماغي معقد يؤثر على طريقة عمل الدماغ و نقلها للمعلومات. تشير الدراسات إلى عدة أسباب يمكن أن تؤدي إلى الاضطراب سواء البسيط منه أو شديد الأعراض مثل متلازمة كانر. لقد أثبتت الدراسات وجود عدة تشوهات في أجزاء من الدماغ يُعتقد أنها حدثت أثناء نمو الجنين. وتتركز تلك التشوهات في الأجزاء المسؤولة عن الكلام ومعالجة المعلومات الواردة من الحواس.
هناك أساس وراثي قوي يتسبب في حدوث اضطراب التوحد. أثبتت الدراسات الأسرية الخاصة بالتوائم أن ولادة التوائم المتطابقة أكثر عرضة للإصابة بالتوحد من التوائم الغير متطابقة وراثيًا. وأيضًا الأسرة التي ولد لها طفل مصاب بالتوحد، تكون فرصة إنجاب طفل آخر مصاب بالتوحد تقريبًا واحد من كل 20 أو 5%، وهي نسبة أعلى بكثير من عامة السكان.
أعراض متلازمة كانر
تختلف شدة الأعراض بين الأشخاص، وتتراوح الأعراض بين السلوكيات الأكثر شدة (غير معتاد للغاية، متكرر، إيذاء النفس، والعدوانية) إلى معتدل أو معتدل جدًا. وفي حالة متلازمة كانر يكون الأداء منخفضًا والأعراض شديدة للغاية. والأطفال المصابون بالتوحد لا يتشابهون في إظهار الأعراض. لذلك يجب وضع خطط العلاج والتدريب لكل طفل على حدة.
الأعراض الأكثر شيوعًا للمصابين بمتلازمة كانر
غالبًا ما يكون لدى الأطفال المصابين بمتلازمة كانر ردود أفعال حادة تجاه التحفيز الحسي، مثل الصوت أو اللمس. ويترتب على ذلك تجنب الاتصال الجسدي، أو الاتصال بالعين، ولديهم أيضًا في أغلب الأحيان نفور من الموسيقى وبعض الأصوات المعينة الأخرى. لدى المصابين بمتلازمة كانر أيضًا صعوبات عميقة في التفاعل الاجتماعي . وهي أكثر أعراض اضطراب طيف التوحد شيوعًا ووضوحًا.
إن التفاعل الاجتماعي يبدأ مع الطفل منذ الولادة، ولكن الطفل المصاب بمتلازمة كانر يواجه صعوبة في تكوين الروابط الاجتماعية مثل الآتي:
- الطفل الرضيع الطبيعي يستطيع متابعة شخص أو شئٍ ما بعينيه، وهذا ما يفعل عكسه تمامًا الطفل المصاب بمتلازمة كانر هو يميل بشدة إلى تجنب تلاقي العينين.
- لا يتقبل الاحتضان في أي نشاط، ولكن قد يتقبل بشكل سلبي الاتصال الجسدي أو يخجل منه.
- لا يرفع طفل متلازمة كانر يديه للأعلى تحسبًا لأن هناك من يريد حمله.
- قد يظهر عليه أيضًا عدم ارتباطه بوالديه.
- لا يتعلم ألعاب الطفولة التقليدية.
- لا يفهم إشارات التفاعل الاجتماعي بسهولة، بل أنه لا يعرف كيف أو متى يتبادل المواقف الاجتماعية في الوقت المناسب.
- ليس لديه إدراك لمشاعر الأخر أو وجهة نظره، لذلك يظهر عليه عدم التعاطف أو الجمود.
المشكلات التي يعاني منها المصاب بمتلازمة كانر
يواجه المصابون بمتلازمة كانر مشكلات عديدة ومنها.
التأخر اللغوي
يعاني المصابون بمتلازمة كانر من مشاكل التواصل اللفظي والتأخر اللغوي بشكل كبير، فبعض الأطفال لا يتحدثون إطلاقًا، أو يستخدم كلمة واحدة أو كلمتين في كل مرة يريد فيها التحدث. قد يطورون مفردات واسعة النطاق ولكن لا يدركون معانيها وكيفية توظيفها في سياق الحديث. يميلون أيضًا للتحدث بصوت آلي أو ترديد أصوات نغمية غير مفهومة. لا يأخذون لغة الجسد في الاعتبار. ويفهمون الكلام بشكل حرفي تمامًا دون التطرق لفهم ما وراء الكلام. تسبب تلك المشاكل في مهاراتهم اللغوية عدم القدرة على التعبير عن احتياجاتهم. ويبدو عليهم أنهم يتصرفون بشكل غير لائق. وقد ينتزعون الشئ دون أن يطلبوه.
السلوك المقيد
إن تأخر المهارات اللغوية والاجتماعية لدى المصابين بمتلازمة كانر تُقيد اللعب الاجتماعي. إنهم لا ينخرطون في اللعب التخيلي أو لعب الأدوار. بل ينخرطون في التكرار والتركيز على موضوع معين يثير اهتمامهم. يلتزمون بروتين يومي نمطي ينزعجون بشدة إذا تم تغيير أى جزء فيه. لديهم سلوكيات جسدية تكرارية، مثل الرفرفة باليدين، الدوران حول النفس، هز الأرجل. وغالبُا ما تكون تلك السلوكيات المتكررة إستجابة مهدئة ذاتيًا لهم لمواجهة التحفيز الحسي من العالم الخارجي.
المشكلات الحسية
المشكلات الحسية تُشكل صعوبة حقيقية للمصابين بمتلازمة كانر. فنجد أن بعض الأطفال يتجاهلون الأشياء تمامًا في حين أن البعض الأخر يجعل من تلك الأشياء هوسًا له. يراقب الطفل هذا الشئ أو حركة أصابعه أو عندما تكون أصابعه فوق هذا الشئ. قد يضرب الأطفال المصابين بالتوحد رؤوسهم تفاعلًا مع الأصوات أو تزداد رفرفة أيديهم. وقد صرح بعض البالغين المصابين بالتوحد ذوي الأداء العالي والذين كتبوا كتبًا عن تجارب طفولتهم أن الأصوات غالبًا ما كانت تؤثر عليهم بشكل مؤلم. لذلك كانوا ينسحبون من بيئتهم أو يحاولون التأقلم من خلال عالمهم الحسي والحركات التكرارية الخاصة بهم.
العلاج
تختلف شدة الأعراض من طفل لأخر إختلافًا كبيرًا. ولا يوجد علاج واحد يصلح لكل الأشخاص.
العلاج التربوي والسلوكي
توجد العديد من البرامج التدريبية والتربوية مثل.
- تحليل السلوك التطبيقي.
- العلاج المعرفي السلوكي.
- برامج التطور اللغوي.
- علاج المهارات الإجتماعية، بما في ذلك العلاج باللعب.
- العلاج الوظيفي (OT) بما في ذلك علاج التكامل الحسي.
يتم وضع خطة تدريبية فردية تتناسب مع نقاط الضعف والقوة لدى الطفل من البرامج السابقة. ويشمل التدريب تعليمات منظمة ومتدرجة الصعوبة مصممة لتحسين قدرات الطفل المصاب بمتلازمة كانر اللغوية والاجتماعية.
العلاج الدوائي
لا يوجد دواء واحد يعالج متلازمة كانر، ولكن يمكن لبعض الأدوية أن تتحكم في الصرع الذي يصيب ما يصل إلى 20% من المصابين بالتوحد. وبعض الأدوية تفيد أيضًا في علاج القلق والأكتئاب وفرط النشاط لديهم. في الأتي بعض الأدوية التي توصف لعلاج المشكلات السلوكية للأشخاص المصابين بالتوحد.
- المنشطات، مثل الميثيلفينيديت (ريتالين).
- حاصرات الأفيون، مثل النالتريكسون (Revia).
- مضادات الاكتئاب، مثل فلوروكسامين (لوفوكس).
- المهدئات.
- مضادات الذهان.
العلاج البديل وتجارب الآباء
أكد العديد من الآباء أن العلاج بالفيتامينات قد أدى إلى نجاح مع أطفالهم. أظهرت بعض الدراسات أن تناول فيتامين B6 مع الماغنسيوم يحسن التواصل البصري والكلام ويقلل من نوبات الغضب. الآثار الجانبية لاستخدام فيتامين B6 أقل من الأدوية الأخرى ويعتبر استخدامه أمنًا ولكن بجرعات مناسبة. ومع ذلك لا يدافع الممارسين الطبيين عن استخدامه في علاج التوحد.
الفرق بين المتلازمات كانر، أسبرجر وريت
تندرج تلك المتلازمات تحت مسمى إعاقات النمو الشامل أو مجموعة (طيف التوحد) كما ذكرنا سابقًا. ولكن مصطلح (طيف التوحد) هو مصطلح عام وشامل لإضطرابات عدة ذكرناها بالأعلى، ويختلف مصطلح (طيف التوحد) إختلافًا كليا عن اضطراب التوحد أو الذاتوية.
اضطراب التوحد أو الذاتوية
يشمل اضطراب التوحد مستويات عدة من حيث شدة أعراض الاضطراب كالأتي.
- اضطراب بسيط (ذوي الأداء العالي).
- اضطراب متوسط.
- اضطراب شديد.
- اضطراب عميق (ذوي الأداء المنخفض).
متلازمة كانر
تندرج متلازمة كانر تحت اضطراب التوحد أو الذاتوية مستوى (ذوي الأداء المنخفض) تعاني تلك الفئة من اضطراب طيف التوحد من معدلات ذكاء منخفضة. وتكون الأعراض أكثر حدة، ومستوى متدني في جميع المهارات اللغوية والاجتماعية والحسية. وأثبتت الإحصائيات أن الأطفال الذكور هم الأكثر عرضة للإصابة بمتلازمة كانر من الإناث. وقد قٌدرت معدلات حدوث الإصابة باضطراب التوحد أو الذاتوية بشكل عام ما بين 4 أو 5 أطفال من كل 1000 طفل.
متلازمة أسبرجر
تندرج متلازمة أسبرجر تحت اضطراب التوحد أو الذاتوية مستوى (ذوي الأداء العالي). وتتميز تلك الفئة من اضطراب التوحد بمعدلات ذكاء مرتفعة أو امتلاك ذاكرة قوية وحفظ الأشياء عن ظهر قلب. وتكون الأعراض أكثر إعتدالًا من المستويات الأخرى. أثبتت الأبحاث أن الأولاد هم الأكثر عرضة للإصابة بمتلازمة أسبرجر من الفتيات. وتشير المعدلات إلى أن الإصابة بمتلازمة أسبرجر تحدث بمعدل طفلين ونصف من كل 1000 طفل.
متلازمة ريت
متلازمة ريت هي إحدى إعاقات النمو الشامل بل وتعتبر أشد إعاقات تلك المجموعة من حيث تأثيرها على الفرد المصاب، وفقدانه القدرة على الاحتفاظ بالخبرات التي اكتسبها وما تعلمه من مهارات. مثل المشي والكلام وكثيرًا ما يصاحبها درجة من درجات الإعاقة العقلية. بالإضافة إلى ما تسببه من إعاقات حركية أو إعاقة تواصل ونوبات صرعية.
تندرج متلازمة ريت تحت مجموعة إعاقات النمو الشامل ولكنها لا تندرج تحت اضطراب التوحد أو الذاتوية. وذلك لأن بعض الأطفال يكون لديهم في البداية تشخيصًا مماثلًا لاضطراب التوحد. وذلك بسبب العجز الملحوظ في التفاعلات الاجتماعية في كلا الاضطرابين. هناك اختلافات تُنبئ بكل إضطراب. إن الطفل المصاب بمتلازمة ريت يُظهر تدهورًا في المظاهر النمائية ومحيط الرأس والنمو العام. وحركات اليد لديه محدودة. مثل التآزر الحركي الضعيف والقلق. القدرات اللفظية لديهم عادًة ما تُفقد كليًا. كل تلك الأعراض هي جزء من متلازمة ريت والتي تختلف تمامًا عن أعراض التوحد.
إن التشخيص الفارق والذي يوضح الفرق تمامًا بين اضطراب التوحد بأنواعه ومتلازمة ريت. هو أن متلازمة ريت تصيب الفتيات فقط بعكس إضطراب التوحد الذي يصيب الذكور بمعدلات أكثر من الفتيات.
يعتقد العديد من الباحثون أن متلازمة لها أساس وراثي يتعلق بالكروموسوم X وتحدث بمعدل حالة واحدة من كل مائة ألف حالة ولادية. ويعتقد الباحثون أيضًا أنها أكثر إنتشارًا من ذلك لأن كثيرًا من حالاتها تُشخص على أنها حالات توحد أو شلل دماغي.
من المسلم به الآن أن متلازمة كانر من أشد فئات اضطراب التوحد أو الذاتوية. ولكن أصبحت هناك تدخلات عديدة من شأنها أن تقلل من أعراض الاضطراب. وكلما زاد وعي الآباء كلما كانت نتائج التدخل أفضل.