فيروس الفاج | ما هو؟ وهل يمكن استخدامه بديلاً للمضادات الحيوية؟
في الآونة الأخيرة سمعنا كثيراً عن البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية أو ما تُعرف بالبكتيريا الخارقة، وعن إمكانية استخدام فيروس الفاج للتغلب عليها.
فهل تعرف ما هو هذا الفيروس؟ وكيف يمكننا الاستفادة منه؟
لمعرفة كل هذا والمزيد تابعنا في هذا المقال.
ما هو الفاج؟
فيروس الفاج; هو فيروس من لاقمات (آكلات) البكتيريا، ويُعرف أيضاً بالبكتيريوفاج أو فيروسات البكتيريا حيث يُصيب البكتيريا، ويتكون من رأس وعنق وذيل على هيئة ألياف.
الفيروس كائن غير حي؛ فهو حلقة وصل بين الكائنات الحية والكائنات غير الحية؛ لأنه يمتلك مادة وراثية ويتكاثر ويموت كالأحياء وفي نفس الوقت هو غير خلوي حيث لا يحتوي على مكونات الخلية الحية كالسيتوبلازم والعضيات.
كيفية اكتشاف لاقمات البكتيريا
قديماً كانت هناك تقارير تُشير إلى وجود مياه نهرية لها تأثير علاجي على بعض الأمراض كالجذام، وشيئاً له تأثير مضاد حيوي ضد الكوليرا.
اكتشف عالم الأحياء الدقيقة فريدك تورت عاملاً صغير الحجم قادر على مهاجمة البكتيريا وقتلها.
وأعلن العالم فليكس ديهريل اكتشافه ميكروبًا غير مرئي له تأثير مضاد للزحار العصوي وسماه بكتيريوفاج، كما وثق حالة مريض يعاني من الزحار العصوي وتعافى بعد استخدام لاقمات البكتيريا.
شكل وتركيب فيروس الفاج
مكن الميكروسكوب الإلكتروني العلماء من التعرف على أشكال وأحجام الفاجات وخاصةً فيروسات الكوليفاج التي تهاجم البكتيريا المعوية (E.Coli).
وجد العلماء أن لكل من هذه الفيروسات رأس سداسي وزائدةً تُشبه الذيل، حيث وُجد سبعة أشكال منها ولكن تختلف فيما بينها في شكل وحجم الرأس، وحجم وطول الذيل.
الرأس تتكون من غلاف بروتيني يسمى كابسيد حيث يحمي المادة الوراثية بداخله.
يوجد داخل الرأس الحمض النووي للفيروس إما أن يكون DNA أو RNA والذي يحمل كل الصفات الوراثية الخاصة بالفيروس، ويدخل إلى داخل الخلية البكتيرية التي هاجمها الفيروس، ويدخل في تركيب هذه المادة الوراثية النيوكليوتيدات التي تحتوي على الفسفور.
الذيل يتكون من جزء داخلي اسطواني يسمى القناة المحورية وجزء خارجي حلزوني محيط بهذه القناة ويكون قابلاً للتقلص.
ويوجد في النهاية القصوى للذيل ستة زوائد تُمثل قاعدة بها شويكات وتُمثل الجزء الذي يثبت به البكتيريوفاج نفسه على البكتيريا التي يهاجمها.
يتراوح حجم فيروسات البكتيريا عادةً بين ٢٠ إلى ٢٠٠ نانومتر.
دورة حياة لاقمات البكتيريا
يهاجم فيروس الفاج البكتيريا حيث يلتصق بها عن طريق الشويكات في الزوائد الذيلية، ويثبت نفسه في جدار البكتيريا ثم يفرز الذيل إنزيمات تعمل على إذابة هذا الجدار وصُنع ثقب فيه.
بعد حوالي ٤ دقائق فقط من الاتصال بالخلية البكتيرية، يتقلص الذيل ويحقن الفيروس المادة الوراثية الخاصة به في البكتيريا.
تتضاعف المادة الوراثية للفيروس داخل البكتيريا، فيُصبح الفيروس هو المُسيطر على الخلية البكتيرية، فتُصبح الخلية البكتيرية مصنعًا خاصًا بالفيروس لزيادة نسله.
بعد ذلك تُجبر جينات الفيروس الخلية البكتيرية على إنتاج الغطاء البروتيني وباقي مكونات الفيروس، ثم يتحلل جدار الخلية البكتيرية وتخرج الفاجات مُكتملة التكوين ومُماثلةً للفيروس الأم تبحث عن عائل جديد لتهاجمه وتتضاعف فيه.
استخدام الفاج لإثبات أن ال DNA هو المادة الوراثية
استنتج العلماء من دورة حياة الفاج وتكاثره أن مادة ما انتقلت من الفيروس إلى الخلية البكتيرية، وهذه المادة هي التي تحتوي على المعلومات الوراثية الخاصة بالفيروس.
أجرى العالمان هيرشي وتشيس تجربة لمعرفة ما إن كانت المعلومات الوراثية محملة على البروتين أم على الحمض النووي، حيث استغل العالمان حقيقة أن ال DNA يدخل في تركيبه الفسفور ولا يدخل في تركيبه الكبريت، وأن البروتين قد يدخل في تركيبه الكبريت ولا يدخل في تركيبه الفسفور.
جعلوا الفيروسات تتغذى على نظير الفسفور المُشع ليتداخل في تركيب ال DNA الخاص بالفاج ونظير الكبريت المُشع ليتداخل في تركيب الغلاف البروتيني للفاج؛ ليسهلا تتبعهما والتفريق بينهما داخل الخلية البكتيرية، ثم سمحا لهذه الفيروسات بمهاجمة خلايا بكتيرية لحقن المادة الوراثية داخلها.
وجد العالمان أن كل الفسفور المُشع قد انتقل داخل الخلايا البكتيرية، على عكس الكبريت المُشع فقد انتقل منه أقل من ٣٪ فقط داخل الخلايا البكتيرية، أثبت ذلك أن ال DNA الفيروسي هو الذي ينتقل داخل الخلية البكتيرية ويتضاعف فيها وليس البروتين، ومنه فإن ال DNA هو المادة الوراثية التي تنتقل من جيل إلى جيل حاملةً كل المعلومات الوراثية.
تعايش الفاج مع الإنسان
تعيش فيروسات الفاج في أمعاء الإنسان وتكون غير مضرة له، فهي تلتصق بجدار الأمعاء ولا تُصيب الخلايا البشرية، وإذا اقتربت منها خلية بكتيرية فإنها تلتصق بها وتتكاثر بداخلها ثم تنفجر الخلية البكتيرية فيخرج منها عدد كبير من فيروسات الفاج، فتقدم بذلك فيروسات الفاج منفعة للإنسان ويوفر لها الإنسان بيئة ملائمة.
فيروسات الفاج ودورها في بعض أمراض الإنسان
فيروسات الفاج تعمل على تحويل بعض البكتيريا غير الضارة إلى عوامل تُحدث مرضًا في الإنسان.
بعض أنواع البكتيريا مثل E.Coli ، والبكتيريا المسببة لمرض الكوليرا، والبكتيريا المسببة لمرض الزحار تُصبح ضارة عندما ينقل البكتيريوفاج إليها جينات تُنتج موادًا سامةً فبذلك تُصبح هذه البكتيريا قادرةً على إحداث الأمراض الخطيرة كالتسمم الغذائي وغيرها من الأمراض.
استخدام فيروس الفاج بديلاً للمضادات الحيوية
قديما عندما اكتُشف البنسلين وبدأت حقبة المضادات الحيوية، أنقذ ذلك كثير من المرضى المصابين بالأمراض البكتيرية والتي كانت تُؤدي إلى الموت المُحقق.
ومنذ ذلك الوقت أصبح استخدام المضادات الحيوية في علاج الأمراض أمرًا ضروريًا، ولكن الاستخدام المفرط لهذه المضادات الحيوية نتج عنه سلالات من البكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية، وهذا يُسبب خطرًا كبيرًا على حياة البشر.
ومن هذا المنطلق فكر بعض العلماء في إمكانية استخدام لاقمات البكتيريا لمهاجمة البكتيريا الضارة والقضاء عليها.
يسعى الباحثون عن طريق استخدام البصمة الوراثية والتحاليل الجزيئية إلى عزل لاقمات البكتيريا سواءًا من الإنسان أو من التربة أو من أي مصدر مُحتمل وجودها فيه؛ للتعرف على خصائصها العلاجية حتى يمكن استخدامها في العلاج والقضاء على البكتيريا الضارة بالإنسان.
ولكن بعض العلماء يخشون حدوث آثار جانبية لهذا العلاج؛ لأن البروتينات الموجودة في تلك الفيروسات تُعد أجسامًا غريبة ستدخل إلى جسم الإنسان، فمن الممكن أن تحدث نتائج عكسية بعد دخولها الجسم.
ومن أهم التطبيقات الوقائية التي أجراها العلماء هي مستحضرات IntestiPhage والتي تتكون من مجموعة كبيرة من تلك الفيروسات الآكلة للبكتيريا، حيث استخدمها العلماء في علاج بعض الأمراض البكتيرية التي تُصيب الأمعاء، فأصبحت تُساعد في الوقاية من الالتهابات المعوية التي تُسببها بكتيريا السالمونيلا وغيرها من البكتيريا المختلفة التي تُصيب الأمعاء.
على الرغم من النتائج الفعالة لاستخدام هذه الفيروسات في مكافحة بكتيريا الأمعاء، إلا أن استخدامها كدواء فعال غير منتشر بعد في الكثير من دول العالم.
لكن مازال العلماء يسعون لاكتشاف الكثير عن هذه الفيروسات وقدرتها الهائلة في مكافحة الأمراض البكتيرية، وتظل الأبحاث والدراسات في تطور مستمر.
فيروس الفاج والهندسة الوراثية
يقوم العلماء بهندسة الفيروسات آكلات البكتيريا وراثيًا، حيث يختبرون السلالات الفردية ضد البكتيريا المُستهدفة ثم تُنقى السلالات الأكثر فعالية إلى تركيز فعال.
ثم تُخزن إما على شكل مخزون من هذه الفيروسات والتي قد تحتوي على سلالة واحدة منها أو أكثر حيث يُمكن أن تستهدف مجموعة كبيرة من البكتيريا، وإما على شكل فيروسات تمت تنقيتها حيث تستهدف بكتيريا معينة.
فيروسات الفاج ودورة الكربون
تلعب فيروسات الفاج دورًا مهمًا في دورة الكربون، حيث تقوم الفاجات بمهاجمة وقتل بكتيريا تُعرف بإسم SAR11 والتي تحول جزيئات الكربون الذائبة إلى ثاني أُكسيد الكربون فتؤثر بذلك على كمية الكربون الموجودة في الغلاف الجوي.