رتق المريء .. الأعراض والأسباب وطرق علاجه
يولد بعض الأطفال ببعض العيوب الخلقية في عضو واحد أو أكثر، وأحد هذه العيوب والتي تصيب الجهاز الهضمي هو رتق المريء، وهو تشوه نادر حيث ثبت بالأبحاث وجوده في نحو طفل واحد لكل 4100 طفل سنويًا في الولايات المتحدة. ويُكتشف غالبًا بعد الولادة بفترة قصيرة، حيث يظهر على الطفل بعض الأعراض مثل صعوبة التنفس أو زرقة الجلد أثناء الرضاعة، مما يستدعي ضرورة استشارة الطبيب.
ما هو رتق المريء؟
المريء هو عضو من أعضاء الجهاز الهضمي، وهو أنبوبة طويلة مرنة تصل بين البلعوم والمعدة، ويعمل المريء على نقل الطعام والشراب من الفم إلى المعدة. ورتق المريء (esophageal atresia) هو أحد العيوب الخلقية التي تحدث في المريء خلال نمو الجنين، وفيه يتكون المريء بشكل غير طبيعي، حيث يتكون من جزأين، جزء علوي وسفلي ولا يتصلان ببعضهما.
ويرتبط هذا التشوه غالبًا بتشوه آخر وهو الناسور الرغامي المريئي (tracheoesophageal fistula)، ويعني وجود وصلة غير طبيعية بين المريء والقصبة الهوائية بدلًا من المعدة، وتسمح هذه الوصلة بمرور الهواء إلى المريء وأحماض المعدة إلى الرئتين، مما يهدد حياة الرضيع.
أنواع رتق المريء للجنين
رتق المريء له أربعة أنواع وهي:
- النوع A: في هذا النوع لا يتصل الجزء العلوي والسفلي للمريء ببعضهما، وفيه لا يتصل أي جزء من المريء بالقصبة الهوائية.
- النوع B: وفيه يتصل الجزء العلوي للمريء بالقصبة الهوائية، والجزء السفلي تكون نهايته مغلقة، وهذا النوع نادر للغاية.
- النوع C: وهو أكثر الأنواع شيوعًا، حيث إن الجزء العلوي للمريء له نهاية مغلقة وتدعى جيبة، ويتصل الجزء السفلي بالقصبة الهوائية.
- النوع D: هو أكثر الأنواع ندرة وخطورة، وفيه لا يتصل جزأي المريء ببعضهما، ولكن يتصل كلاهما بالقصبة الهوائية بشكل منفصل.
أسباب الإصابة برتق المريء عند حديثي الولادة
لا يوجد سبب محدد للإصابة، ولكن يُعتقد أن حدوث هذا التشوه مرتبط بزيادة السائل السلوي (السائل الأمنيوسي) خلال فترة الحمل، أو وجود طفرات جينية. ويعاني نصف مواليد رتق المريء تقريبًا من تشوه واحد آخر على الأقل. ومن هذه التشوهات:
- تشوهات أخرى في الجهاز الهضمي مثل رتق الأمعاء، أو الشرج.
- مشاكل في القلب مثل تشوه الحاجز البطيني، أو رباعية فالوت، أو القناة الشريانية السالكة.
- بعض مشاكل الجهاز البولي والكلى مثل الكلية الحدوية، أو داء الكلى المتعددة الكيسات، أو عدم وجود كلى، أو المبال التحتاني.
- مشاكل في العضلات أو العظام.
- متلازمة الحبل النطاقي.
ومؤخرًا، أبلغ مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) بعض الاكتشافات المهمة المتعلقة بحدوثه وهي:
- عمر الآباء: حيث ارتبطت الإصابة بزيادة عمر الأب، فكلما زاد عمره زادت احتمالية إصابة الجنين برتق المريء.
- تقنيات التلقيح بالمساعدة (ART): ارتفاع نسبة إصابات المواليد الناتجين عن استخدام هذه التقنية مقارنة بعدم استخدامها.
ولحسن الحظ فإن إنجاب طفل آخر يعاني من رتق المريء هو أمر نادر الحدوث.
أعراض رتق المريء
تظهر الأعراض بوضوح بعد الولادة بفترة وجيزة. وأكثر الأعراض شيوعًا هي:
- قلة رضاعة الطفل.
- وجود فقاعات رغوية بيضاء اللون على فم الطفل.
- كحة أو اختناق خلال الرضاعة.
- زرقة الجلد خاصة عند الرضاعة.
- البصق وسيلان اللعاب.
- صعوبة في التنفس.
تشخيص رتق المريء
نادرًا ما يشخص رتق المريء خلال فترة الحمل، ولكن قد يشتبه الأطباء بوجوده خلال الفحص الاعتيادي بالموجات فوق الصوتية. حيث يُلاحظ عدم وجود معدة الطفل، أو ظهور السائل السلوي بكمية كبيرة في الرحم عن الكمية المعتادة، ولكن قد تكون الزيادة لعدة أسباب أخرى. وبعد الولادة، قد يشتبه الطبيب بوجود الرتق إذا اختنق الرضيع خلال محاولاته الأولى للرضاعة، أو تقيأ، أو إذا لاحظ وجود صعوبة في التنفس، أو زرقة الجلد خلال الرضاعة.
ويدخل الطبيب أنبوب تغذية رفيع عبر الفم لمعرفة إذا كان الأنبوب يصل إلى المعدة أم لا، كما يمكن إخضاع المولود للأشعة السينية لفحص المريء.
علاج رتق المريء
بعد تأكيد الإصابة، يجب أن يخضع الرضيع لعملية جراحية لإعادة وصل جزأي المريء ببعضهما، وإزالة أي اتصال بين المريء والقصبة الهوائية إن وجد، حتى يتمكن الطفل من التنفس والرضاعة بشكل طبيعي. وتشمل مراحل هذه العملية:
- إيداع الطفل في وحدة العناية المركزة المخصصة للمواليد حيث يُخدر بتخدير عام.
- حصوله على التغذية عبر الوريد، كما تُزال أي سوائل من الجيبة عبر الشفط.
- يفتح الجراح شقًا عند الجانب الأيمن للصدر، ويغلق الوصلة غير الطبيعية بين المريء والقصبة الهوائية، ثم يخيط الجزء العلوي والسفلي للمريء ببعضهما.
قد يحتاج الرضيع إلى الانتظار بضعة شهور قبل الخضوع للعملية الجراحية إذا كانت المسافة بين جزأي المريء كبيرة. وفي هذه الأثناء، يتغذى باستخدام أنبوب تغذية من البطن متجهًا إلى المعدة بصورة مؤقتة. ونادرًا، قد يضطر الطبيب لاتخاذ قرار بإطالة المريء، وأهم هذه الإجراءات:
إجراء فوكر (The Foker process)
تحفز هذه التقنية الرائدة جزأي المريء على النمو بداخل الطفل، ويستغرق عدة أيام أو أسابيع مما يسمح بوصلهما ببعض.
إجراء فوكر محدود التوغل (The minimally invasive Foker process)
قد يحتاج بعض الأطفال للخضوع لهذا الإجراء الأكثر حداثة. ويعمل أيضًا على إطالة جزأي المريء وسهولة وصلهما ببعض.
الرأب باستخدام المعي الصائم (Jejunal interposition)
يُستخدم في حالة عدم نجاح الطرق السابقة، وفيها يستخدم الجراح الجزء الأوسط من الأمعاء الدقيقة، كبديل للجزء المفقود من المريء. ومن مميزات هذا الإجراء قصر فترة النقاهة وقلة المضاعفات مقارنة بالوسائل الأخرى.
العناية بعد الخضوع لعملية رتق المريء
يحتاج الطفل إلى البقاء في وحدة العناية المركزة المخصصة الموجودة في الحضانة لفترة بعد العملية الجراحية. وقد يحتاج بعد العملية أيضًا إلى:
- المضادات الحيوية.
- جهاز التنفس الاصطناعي لمساعدته على التنفس.
- أنبوبة في الصدر لمساعدته على التخلص من السوائل أو الهواء الذي قد يكون محبوسًا.
- أدوية للتخلص من الألم.
- التغذية عبر الوريد في البداية، وبعد عدة أيام، يمكن تغذيته باستخدام أنبوب تغذية يصل إلى المعدة عبر الأنف.
والجدير بالذكر أنه يمكن للأم أخذ رضيعها إلى المنزل بعد تمكنه من الرضاعة عبر الفم سواءً كانت الرضاعة طبيعية أو صناعية، وعادةً ما يكون ذلك في غضون أسبوع أو اثنين. وسيعطي الطبيب للأم النصيحة حول الطريقة المثلى لتغذيته. ويجب أن يحصل الطفل على الرضاعة لعدة شهور، ثم بعد ذلك يمكن فطامه والحصول على طعام أكثر كثافة تدريجيًا. كما يمكن للأم استشارة اختصاصي التغذية لمعرفة نوع الطعام الملائم وكميته.
كما يجب اللجوء إلى الطبيب أو المستشفى إذا عانى الطفل من اختناق أو كحة خلال الرضاعة، أو صعوبة في البلع، أو إذا لم يكتسب الوزن الطبيعي.
مخاطر عملية رتق المريء
بعد الخضوع لأي عملية جراحية قد تتواجد بعض المخاطر مثل حدوث النزيف أو الإصابة بعدوى. وهذه العملية أيضًا لها بعض المخاطر والتي قد تستدعي إجراءات إضافية أو عملية أخرى لإصلاح الضرر. ومن هذه المخاطر:
- حدوث تسرب للهواء أو الطعام.
- ضيق المريء بعد إصلاحه.
- إعادة فتح الوصلة بين المريء والقصبة الهوائية، أو تكونها مرة أخرى.
مضاعفات عملية رتق المريء
غالبية الأطفال الذين خضعوا للعملية الجراحية يعيشون حياتهم بشكل طبيعي، وقد يستطيع البعض منهم البدء بالرضاعة بعد أسبوع من الخضوع للجراحة. ولكن قد يعاني البعض الآخر من المشاكل ومنها:
- صعوبة في البلع.
- داء الارتجاع المعدي المريئي (GERD): وهو ارتداد حمض المعدة إلى المريء.
- أعراض تشبه الربو: مثل كحة مستمرة أو صفير.
- الإصابة بعدوى صدرية متكررة.
- التلين الرغامي: وفيه يحدث لين للجزء المُرمم من القصبة الهوائية، وينتج عنه صعوبة في التنفس.
- ندب الأنسجة: وتتكون هذه الندب في مكان العملية الجراحية للمريء، مما يسبب ضيق المريء وصعوبة في البلع.
كما يجب أن يخضع الطفل للتقييم المستمر بعد الخضوع للعملية الجراحية لمعالجة هذه الأعراض إن وجدت. ولحسن الحظ فإن بعض هذه الأعراض تتحسن تدريجيًا بمرور الوقت.
تجنب حدوث رتق المريء
لا يمكن تجنب حدوث التشوهات الخلقية، ولكن يمكن الحد منها بوجه عام بالحصول على حمل صحي ويشمل ذلك:
- تناول طعام صحي.
- ممارسة التمارين الرياضية المناسبة للحمل.
- الحصول على الراحة.
- المتابعة المستمرة مع طبيبك.
بالرغم من إن إنجاب طفل يعاني من أحد العيوب الخلقية مثل رتق المريء هو أمر مقلق، إلا إنه من الممكن إصلاحه لحسن الحظ، ويتمكن معظم الأطفال من عيش حياة طبيعية بعد الخضوع للجراحة. كما تساعد المتابعة الدورية، خلال فترة الحمل وبعد الولادة، على اكتشاف وجود التشوهات مبكرًا وبالتالي علاجها في أسرع وقت وتجنب المضاعفات والمعاناة مستقبلًا.