داء العملقة Gigantism | أسبابه وطرق علاجه
داء العملقة ما إن يصاب به الطفل إلا وتبدأ رحلة معاناته مع سلسلة لا تنتهي من التنمر والسخرية على طوله وحجم أطرافه. فهل كان مرضه باختياره؟ أم هل كان المرض يومًا جريمة! فنعاقبه عليها بالانتقاد والإيذاء النفسي. أما كفاه المرض ووهن الجسد! حتى نزيد عليه عدم تقبلنا لاختلافه فنتركه عليل الروح والجسد. فما هو داء العملقة؟ وما هي أسبابه؟ وغير ذلك من أسئلة تجول بخاطرنا عن هذا المرض نوضحها من خلال هذا المقال فتابعونا.
ما هو داء العملقة؟
العملقة هي حالة نادرة تتميز بزيادة النمو بصورة غير طبيعية نتيجة لزيادة إفراز هرمون النمو (GH) أو (Somatotropin) عن المعدل الطبيعي خلال مرحلة الطفولة وقبل حدوث التحام لنهايات العظام الطويلة. فمما يفرز هرمون النمو؟ وما هي وظيفته؟ دعونا نعرف ذلك.
هرمون النمو
- يفرز هرمون النمو من الفص الأمامي للغدة النخامية من الخلايا الجسدية (Somatotroph cells)، ويتم التحكم في إفرازه عن طريق هرمونين يفرزان من تحت المهاد (Hypothalamus) بالمخ، أحدهما لتحفيز إفرازه وهو الهرمون المفرز لهرمون النمو (GHRH)، والآخر لتثبيط إفرازه وهو السوماتوستاتين (Somatostatin).
- هرمون النمو مسؤول عن النمو والتطور الجسدي لأنسجة الجسم المختلفة مثل العظام والعضلات والأعضاء، ويلعب دورًا هامًا في التمثيل الغذائي للبروتين والكربوهيدرات والدهون. ويقوم هرمون النمو بوظيفته مباشرةً أو بواسطة مواد مساعدة تفرز من الكبد وهي عامل النمو الشبيه بالأنسولين (1-IGF).
- يزداد إفراز هرمون النمو تدريجيًا خلال مرحلة الطفولة ليصل إلى ذروته أثناء مرحلة البلوغ، ولكن قد يزداد إفرازه عن المعدل الطبيعي نتيجة وجود خلل بالغدة النخامية فيسبب داء العملقة.
أسباب مرض العملقة
داء العملقة هو مرض نادر وهناك عدة أسباب لحدوثه منها:
- وجود ورم حميد في الغدة النخامية: يعد ورم الغدة النخامية السبب الأكثر شيوعًا لداء العملقة، وقد تحدث هذه الأورام نتيجة لطفرة جينية، ويؤدي الورم إلى إفراز كميات كبيرة من هرمون النمو.
- متلازمة كارني المعقدة: هي حالة وراثية تتسبب بظهور تصبغات في الجلد وأورام بالجلد والقلب والغدد الصماء.
- متلازمة ماكيون أولبرايت: مرض وراثي يتسبب بزيادة نمو العظام بصورة غير طبيعية وظهور تصبغات بالجلد، وحدوث خلل في الغدد.
- أورام الغدد الصماء المتعددة من النوع الأول أو الرابع: يؤدي الخلل الجيني إلى ظهور أورام بعدد من الغدد الصماء، ويحدث ذلك في أي عمر ولا يشترط أن تظهر جميع هذه الأورام في نفس الوقت، كما يزيد التاريخ العائلي للإصابة بهذا المرض من خطر الإصابة.
- الورم العصبي الليفي: الورم العصبي الليفي هو مرض وراثي يؤدي إلى ظهور أورام بالدماغ والحبل الشوكي والأعصاب والجلد، وغالبًا تكون هذه الأورام حميدة ولكن يمكن أن تصبح سرطانية.
أعراض مرض العملقة
هناك عدة أعراض تظهر على الطفل المصاب بداء العملقة، وينبغي الانتباه لها جيدًا حتى يتم تشخيص وعلاج الطفل مبكرًا حتى تكون نتيجة العلاج أفضل. فدعونا نتعرف على هذه الأعراض:
- الطول المفرط وزيادة حجم العضلات والأعضاء، ويؤدي هذا النمو الغير طبيعي إلى ظهور الطفل بمظهر أكبر من عمره.
- تضخم الأيدي والأقدام وزيادة سمك الأصابع.
- بروز وتضخم الجبهة وبروز الفك.
- حدوث تباعد بين الأسنان.
- ملامح وجه حادة وتضخم الشفة والأنف واللسان.
- تأخر البلوغ عند البنات والأولاد.
- طمث غير منتظم.
- إفراز حليب الثدي.
- جلد دهني سميك خاصةً بالوجه والأيدي والأقدام.
- تغير في الصوت نتيجة لزيادة سمك الأحبال الصوتية.
- مشاكل أثناء النوم مثل انقطاع النَفَس والشخير نتيجة لضيق مجرى الهواء.
- صداع ومشاكل بالرؤية مثل ازدواجية الرؤية.
- ألم في المفاصل.
- وهن وضعف عام.
- تنميل بالأيدي والأرجل نتيجة لضغط الأنسجة المتضخمة المحيطة بالأعصاب عليها.
- زيادة التعرق.
مضاعفات داء العملقة
قد تكون مضاعفات داء العملقة خطيرة وتستوجب العلاج المبكر لمنع حدوثها، وتشمل المضاعفات ما يلي:
- الإصابة بداء السكري.
- تضخم عضلة القلب.
- زيادة الكوليسترول بالدم.
- ارتفاع ضغط الدم.
- قصور الغدة الدرقية والكظرية والغدد التناسلية.
- تأخر البلوغ.
- مشاكل في الرؤية قد تصل إلى فقدان البصر.
- الصمم.
- خشونة المفاصل.
- صداع شديد ومزمن.
- توقف التنفس أثناء النوم.
- صعوبة العمل وعدم القدرة على أداء الوظائف اليومية نتيجة لزيادة الحجم وضعف الجسد.
- مشاكل اجتماعية مثل الإحراج والعزلة وصعوبة تكوين علاقات.
- الموت المبكر.
تشخيص داء العملقة
يقوم الطبيب بتشخيص العملقة من خلال الفحص الجسدي للمريض وإجراء بعض الفحوصات اللازمة للتشخيص مثل:
اختبار تحمل الجلوكوز(glucose tolerance test): يتم إعطاء المريض محلول جلوكوز (75 جم) عن طريق الفم ثم يتم قياس مستوى هرمون النمو في الدم، في الإنسان الطبيعي تنخفض نسبة الهرمون، أما في حالة مريض العملقة يظل مستوى الهرمون كما هو بل ويزداد في بعض الأحيان.
فحص مستوى الهرمونات التالية في الدم:
- هرمون الحليب (Prolactin): تزداد نسبته في الدم في حالة ورم الغدة النخامية وداء العملقة.
- عامل النمو الشبيه بالأنسولين (Insulin like growth factor-1): تزداد نسبته في الدم نتيجة لزيادة إفراز هرمون النمو من الغدة النخامية.
- هرمون الكورتيزول والهرمون المنشط للقشرة الكظرية (ACTH): يفرز الهرمون المنشط للقشرة الكظرية من الغدة النخامية والذي ينبه الغدة الكظرية لإفراز الكورتيزول، في حالة وجود ورم كبير في الغدة النخامية يضغط على النسيج الطبيعي للغدة وبالتالي تقل الهرمونات المفرزة. أي يقل الهرمون المنشط للقشرة الكظرية وهرمون الكورتيزول.
- هرمون الثيروكسين (fT4) والهرمون المنشط للدرقية (TSH): يفرز الهرمون المنشط للدرقية من الغدة النخامية لتنبيه الغدة الدرقية لإفراز هرمون الثيروكسين وفي داء العملقة ينقص مستوى هذه الهرمونات في الدم.
- نسبة الهرمونات الجنسية: تقل نسبة هرمون التستوستيرون عند الذكور وهرمون الإستراديول (الإستروجين) عند الإناث في حالة الإصابة بداء العملقة.
- التصوير بالرنين المغناطيسي: يستخدم لإعطاء تصور أفضل عن ورم الغدة النخامية وتحديد حجمه ومعرفة مدى ضغطه على الأنسجة المحيطة به.
علاج داء العملقة
هناك عدة طرق لعلاج العملقة قد تستخدم واحدة منها أو أكثر للعلاج ولإعادة هرمون النمو إلى مستواه الطبيعي ومنها:
استئصال الورم جراحيًا
يتم استئصال معظم أورام الغدة النخامية من خلال الأنف عن طريق جراحة تسمى (Transsphenoidal surgery)، في معظم الحالات وخاصة إذا كان الورم صغيرًا يعود هرمون النمو إلى مستواه الطبيعي وتتحسن الرؤية ويختفي الصداع بعد إجراء الجراحة.
العلاج بالأدوية
تستخدم الأدوية إذا كانت الجراحة ليست خيارًا مناسبًا أو إذا لم يتم إزالة الورم كاملاً بالجراحة وتهدف الأدوية إلى تقليص حجم الورم وتقليل إفراز هرمون النمو وهذه الأدوية مثل:
- أدوية مثبطة لإفراز هرمون النمو وهي نظائر السوماتوستاتين (Somatostatin analogue) مثل أوكتريوتيد (Octreotide) وساندوستاتين (Sandostatin).
- أدوية لخفض مستوى هرمون النمو وهي محفزات الدوبامين (Dopamine agonist) مثل كابيرجولين (Cabergoline) وتعمل هذه الأدوية على خفض مستوى هرمون النمو وعامل النمو الشبيه بالأنسولين. كما يقلل حجم الورم.
- أدوية مضادة لعمل هرمون النمو (GH antagonist) مثل (Pegvisomant) الذي يرتبط بمستقبلات هرمون النمو ويمنع عمله.
العلاج الإشعاعي
يستخدم العلاج الإشعاعي إذا لم يتم إزالة الورم بالكامل جراحيًا حيث يتم تسليط أشعة خاصة لتدميرخلايا الورم دون إلحاق الضرر بالأنسجة المحيطة كما يقلل مستوى هرمون النمو ببطء.
علاج العملقة فعال في إيقاف الإفراز الزائد لهرمون النمو كما يحسن من أعراض العملقة ويمنع المضاعفات حيث أن 80% من حالات العملقة الناتجة عن ورم الغدة النخامية تم علاجها بالجراحة. وفي حالة عودة الورم أو إذا تعذر إجراء الجراحة فإن استخدام الأدوية يعمل على تحسين الأعراض ويسمح للطفل بعيش حياة طويلة، ولابد من المتابعة المنتظمة مع الطبيب لقياس مدى كفاءة عمل الغدة النخامية وللتأكد من عدم تكرار المرض.
داء العملقة يحدث نتيجة زيادة إفراز هرمون النمو خلال مرحلة الطفولة، أما تضخم الأطراف بسبب زيادة هرمون النمو بعد البلوغ وبعد التحام نهايات العظام الطويلة فلا يؤثر على الطول.
لا يمكن منع داء العملقة ولكن العلاج المبكر يمنع تدهور المرض ويمنع حدوث المضاعفات.
يلزم التدخل الطبي عند ظهور علامات فرط النمو على الطفل.
داء العملقة مرض كأي مرض له أسبابه التي يمكن علاجها لتلافي حدوث المضاعفات، ومع تطور العلم والطب الحديث يستطيع الطفل المصاب بمرض العملقة التعافي منه وعيش حياة طبيعية كباقي أقرانه.