القلب اليميني.. ما هو وما مضاعفاته؟
الجميع يعلم أن القلب يقع في الجانب الأيسر من القفص الصدري، ولكن لكل قاعدة استثناء، واستثناء هذه القاعدة هو القلب اليميني.
عن هذا العيب الولادي يدور موضوعنا هذا، لنتعرف معًا عليه وعلى ما قد يسببه من مضاعفات، فلنقرأ معًا.
ما هو القلب اليميني؟
القاعدة الثابتة التي يتعلمها الجميع منذ بداية تعلمهم لأعضاء الجسم البشري في الطفولة، أن القلب يقع في الجهة اليسرى من تجويف الصدر.
وواقع الأمر أن هذه القاعدة ليست دقيقة تمامًا، فالقلب يقع في منتصف القفص الصدري، إلا أن الجزء الأكبر منه يقع في جهة اليسار، لهذا نعتبر أن القلب أيسر.
والقلب اليميني هو حالة ولادية يكون القلب فيها على عكس الوضع الطبيعي، فيقع الجزء الأعظم منه في جهة اليمين من الصدر.
وقد تتسبب تلك الحالة في أعراض مرضية للطفل، وقد تبقى بلا أعراض بالمرة ولا يتم اكتشافها إلا بمحض الصدفة عند إجراء فحص طبي لأي سبب.
أسباب القلب اليميني
أسباب حدوث حالة القلب اليميني ليست معروفة على وجه التحديد، المرجح أنه خلل جيني موروث من أحد الأبوين، كما أن بعض العيوب في أعضاء القفص الصدري قد تؤدي إليه حيث تدفع الأعضاء المشوهة القلب باتجاه اليمين.
أنواع القلب اليميني
يتم تقسيم القلب اليميني من حيث الوضع التشريحي إلى نوعين هما:
القلب اليميني المتفرد (Dextrocardia situs inversus)
في هذه الحالة يكون القلب وحده هو المنعكس، بينما تكون بقية أعضاء الجسم في وضعها الطبيعي، وهي حالة تصيب طفلًا واحدًا من بين كل اثني عشر ألف طفل.
وغالبًا تكون تلك الحالة مترافقة مع وجود عيوب خلقية أخرى في تشريح القلب.
انعكاس القلب الكلي (متلازمة المرآة) (Dextrocardia with situs (inversus totalis
وفي هذه الحالة يكون الوضع المعكوس شاملًا القلب وأعضاء أخرى، فيبدو مظهر الأعضاء وكأنما ينظر إليها من خلال مرآة، فالأعضاء في مواضعها ولكن بشكل معكوس، الأعضاء اليمنى في جهة اليسار، والأعضاء اليسرى في جهة اليمين.
وتلك الحالة تصيب طفلًا من بين كل عشرة آلاف طفل، وعادة لا ترافقها أي عيوب خلقية ويكون الطفل طبيعي تمامًا، ولكن أعضاء تجويفه الصدري والبطني معكوسة، وعادة لا تكتشف إلا بطريق الصدفة.
القلب اليميني التقني
قد يخطئ الفني أثناء إجراء فحص رسم القلب الكهربي (ECG) فيحرك الأقطاب بغير قصد باتجاه الرقم12، فيحدث ذلك انحرافًا في المحور، يظهر معه وكأن القلب يميني، على عكس الحقيقة.
العيوب الخلقية التي قد تظهر مع القلب اليميني
قد يكون الطفل صاحب القلب اليميني طبيعي تمامًا بلا أي مشكلات من أي نوع، وقد ترافق حالة القلب اليميني بعض العيوب الخلقية الأخرى مثل:
رتق الصمام ثلاثي الشرفات (Tricuspid atresia)
الصمام ثلاثي الشرفات هو الصمام المسؤول عن عودة الدم من البطين الأيمن إلى الأذين الأيمن، ورتقه معناه أن يولد الطفل وهذا الصمام مغلق، وبالتالي لا يتمكن الدم من العودة في الاتجاه الصحيح وينتج عن ذلك أعراض ومضاعفات.
متلازمة كارتاجنر (Kartagener syndrome)
متلازمة خلل الحركة الهدبي الأولي، هي متلازمة تسبب خلل حركة الأهداب المبطنة للجهاز التنفسي والجيوب الأنفية وقناة استاكيوس والأذن الوسطى، وكذلك الأهداب المبطنة لقناة فالوب في الجهاز التناسلي الأنثوي، وحركة سوط الحيوان المنوي في الذكور.
وتنتج عنها التهابات متكررة في الجهاز التنفسي والجيوب الأنفية، والعقم لدى الذكور.
متلازمة تغير التموضع (Heterotaxy syndrome)
وهي متلازمة تتسبب في خلل تكوين أعضاء الجنين أثناء تكوينه، فلا تتوقف فقط على كونها معكوسة، وإنما يختل شكلها وتوزيع الأوعية الدموية فيها، وقد تكون التشوهات:
- ثقوب في الحواجز الفاصلة لحجرات القلب.
- وصلات وريدية شاذة في القلب والجهاز الهضمي.
- غياب الطحال.
- رتق القناة الصفراوية.
- سوء استدارة الأمعاء.
- عدم انتظام الهيكل العظمي.
- تشوهات الجهاز العصبي.
- تشوهات المسالك البولية.
أعراض القلب اليميني
في حالة عدم ترافق حالة القلب اليميني مع أي تشوهات أخرى كسابقة الذكر أو غيرها، فإنه لا تصاحبه أعراض ولا يتسبب في مشكلات، ولكن في حالة وجود أعراض فإنها قد تظهر كالآتي:
- زرقة وجه الطفل عند البكاء والرضاعة، وأحيانا زرقة الجسم كاملا.
- ضيق التنفس.
- قلة مناعة الطفل.
- تأخر نمو الطفل عن بقية أقرانه.
- صعوبة اكتساب الطفل للوزن.
- شعور الطفل بالتعب والإرهاق وعدم القدرة على بذل الجهد.
- اليرقان إذا ترافقت الحالة مع رتق القناة الصفراوية.
- مشكلات التبول والتبرز إذا ترافقت الحالة مع تشوهات الجهازين الهضمي والبولي.
- إعاقات عقلية وحركية إذا ترافقت الحالة مع تشوهات الجهاز العصبي.
مضاعفات القلب اليميني
كما ذكرنا سابقا، في حالة كون القلب اليميني غير مصحوب بأي تشوهات فإنه يعتبر حالة طبيعية لا تنتج عنها أي مضاعفات، ولكن في حالة وجود أعراض تنم عن تشوهات قد تحدث المضاعفات الآتية:
- التهابات الجهاز التنفسي المتكررة.
- الإعاقة العقلية والجسمانية.
- آلام البطن وانتفاخها.
- عدم القدرة على الإخراج وهي حالة مهددة للحياة ما لم تكتشف سريعا.
- فشل القلب.
- فشل الجهاز التنفسي.
- عقم الذكور.
تشخيص القلب اليميني
يتم التشخيص المبدأي بواسطة سماعة الطبيب، حيث يلاحظ الطبيب سماع ضربات القلب من الجهة اليمنى، فيلجأ للوسائل الآتية لتأكيد التشخيص:
- الأشعة السينية للصدر
ويتضح منها موضع القلب، وكذلك وجود تشوهات أو مشكلات أخرى في القفص الصدري أو الرئتين قد تكون هي سبب انزياح القلب إلى اليمين.
- التخطيط الكهربي للقلب (ECG)
وهنا يجب أن يراعي الطبيب اختيار فني على قدر كبير من الخبرة والمهارة، لأن الخطأ في وضع أقطاب جهاز التخطيط الكهربي قد يعطي نتائج خاطئة.
- التصوير بأشعة الرنين المغناطيسي
ليس الهدف من هذا الفحص تحديد موضع القلب، ولكن الهدف هو اكتشاف أي تشوهات أو عيوب خلقية أخرى قد تترافق مع حالة القلب اليميني، ولهذا يجرى الفحص لمنطقتي الصدر والبطن.
علاج القلب اليميني
وجود القلب في جهة اليمين في حد ذاته ليس مشكلة تستوجب العلاج، ما لم تصاحبه تشوهات سواء في القلب أو في أعضاء أخرى، ولربما تندهش أخي القارئ إذا علمت أن أناسًا ولدوا وعاشوا حياتهم بشكل طبيعي تمامًا وماتوا في أرذل العمر دون أن يعلموا أن قلوبهم يمينية.
وبالتالي فإن الحالة لا تستوجب العلاج إلا إذا صاحبتها تشوهات وأعراض، وبالتالي يتوقف العلاج على طبيعة المشكلة، ومن أساليب العلاج المستخدمة ما يلي:
- علاج تشوهات القلب: التشوهات الحادثة في القلب والأوعية الدموية يتم علاجها جراحيًا، بجراحة شق الصدر(القلب المفتوح) لإصلاح العيوب الموجودة في القلب والأوعية الدموية المتعلقة به، يمكن الإستعانة ببعض الأدوية للعلاج بعد الجراحة.
- علاج تشوهات الأمعاء: سوء استدارة الأمعاء قد يتسبب في انسداد الأمعاء واستحالة خروج الفضلات، وهي حالة مهددة للحياة تستوجب التدخل الجراحي العاجل، لتصحيح وضعيات الأمعاء بشكل يسمح بآداء وظائفها بالشكل الطبيعي.
- غياب الطحال: عند غياب الطحال يلزم المريض تلقي مجموعة واسعة من المضادات الحيوية والأجسام المناعية لمنع تعرض المريض للعدوى.
- رتق القناة الصفراوية: انسداد القناة الصفراوية الذي قد يصاحب حالة القلب اليميني، حالة خطيرة تعوق انسياب الصفراء بالشكل الطبيعي وارتفاعها في الدم بشكل قد يهدد حياة المريض، لهذا يلزمها التدخل الجراحي لفتح الإنسداد للسماح بالتصريف الطبيعي للصفراء.
بالإضافة للإجراءات الجراحية المختلفة لإصلاح التشوهات بقدر الإمكان، تستعمل العلاجات الدوائية للسيطرة على أعراض المرض كالتهابات الجيوب الأنفية والتهابات الأذنين وغيرها.
الوقاية من القلب اليميني
بما أن الأسباب الدقيقة للمرض غير معلومة على وجه التحديد، فإن السبيل الأمثل للوقاية أيضًا غير معلوم بدقة، ولكن علينا تجنب الأسباب المؤدية لحدوث الاختلالات الجينية وتشوهات الأجنة التي قد تسبب ولادة أطفال مصابين بتلك الحالة مثل:
- إتباع نمط تغذية صحي.
- تجنب العادات السيئة كالتدخين وشرب الكحول.
- شرب الكثير من المياه التي تساهم في تخليص الجسم من السموم والمعادن الثقيلة.
- عدم تناول أدوية خارج الإشراف الطبي، لاسيما أثناء فترة الحمل.
- ممارسة التمارين الرياضية بصفة عامة، والتمارين المخصصة للحوامل بصفة خاصة.
- الحرص على متابعة تطور الجنين أثناء فترة الحمل تحت إشراف طبي.
- تنظيم مواعيد النوم بحيث لا تقل عدد ساعات النوم الليلي عن سبع ساعات ما بين غروب الشمس وفترة الفجر.
- الابتعاد عن عوامل القلق والتوتر النفسي بقدر المستطاع.
- الاهتمام بإتمام الولادة تحت الإشراف الطبي(الولادة الآمنة) ليتسنى فحص الطفل بعد ولادته للوقوف على أي مشكلات ولادية قد تكون موجودة، والمبادرة بسرعة علاجها للحد من مضاعفاتها.
أسئلة شائعة عن القلب اليميني
حالة وجود القلب على اليمين ليست حالة شائعة، وغالبية أصحابها يكتشفون وجودها بمحض الصدفة، وهذا يطرح في أذهان الجميع العديد من الأسئلة حولها سنستعرض الآن أشيعها:
وجود القلب على اليمين ليس مشكلة أو عيبًا في حد ذاته، ما لم ترافقه تشوهات أخرى، فإذا لم تكن تلك التشوهات موجودة، فلا يحدث أي شيء.
إذا لم تترافق حالة القلب اليميني مع أي تشوهات، فإن صاحبها يعيش حياة طبيعية تماما كأي شخص آخر.
لا يختلف وضع القلب في الرجل عنه في المرأة، فهو موجود لدى الجنسين في نفس الموضع من منتصف القفص الصدري، حيث يميل الجزء الأكبر منه تجاه اليسار، وحالة القلب اليميني حالة نادرة قد توجد لدى الرجل أو المرأة.
واقع الأمر أن القلب يوجد في منتصف الصدر تمامًا، إلا أن البطين الأيمن أكبر حجمًا من البطين الأيسر، وبهذا يتسبب في ميل الجزء الأكبر من القلب باتجاه اليسار.
إذا لم تصاحب القلب اليميني أي تشوهات أو مشاكل، فإن صاحبته تستطيع الحمل والولادة بشكل طبيعي تماما كأي امرأة.
الأسد، هو الوحيد بين الحيوانات الذي يمتلك تلك الصفة بشكل طبيعي ضمن تشريحه.
عزيزي القارئ، برغم أن القلب اليميني حالة غير شائعة، ويوحي اسمها بأنها خطيرة، إلا أن واقع الأمر أنها لا تعد حالة مرضية، وإنما هي اختلاف طبيعي يوجد عند بعض الناس، ولكن تترافق أحيانًا مع متلازمات وراثية أخرى تكون هي أحد أعراضها، ولهذا فإن كنت من أصحاب القلب اليميني وقد اكتشفت ذلك بمحض الصدفة، فلا داعي للقلق بالمرة فأنت لست مريضًا وحالتك لا تستوجب أي علاج، أنت فقط شخص مميز.