العنف الأسري .. أسبابه وآثاره
العنف الأسري من المشاكل الخطيرة التي انتشرت في المجتمع في الآونة الأخيرة، لذلك بدأ باحثو علم الإجتماع في تقصي أسباب هذه الظاهرة، وأشكالها، وآثارها على المجتمع، والطرق المثلى للتخلص من هذه الظاهرة؛ نظرًا لتأثيرها المدمر على المجتمع. وفي هذا المقال سوف نستعرض هذه الظاهرة بالبحث والتدقيق للوقوف على أسبابها وكيفية التخلص منها حفاظًا على المجتمع؛ لكي يعيش أفراده في أمن وسلام.
تعريف العنف الأسري
هو تعرض أحد أفراد الأسرة للضرر الجسدي، أو المادي، أو المعنوي من الطرف الآخر، أو تعرض الأطفال للعنف، والإيذاء، واستخدام القوة ضدهم من الأبوين أو أحدهما، سواء كان هذا الإيذاء جسديًا، أو ماديًا، أو نفسيًا، أو عاطفيًا.
دوافع العنف الأسري
هناك أسباب ودوافع متعددة للعنف الأسري، منها دوافع اجتماعية، واقتصادية، ونفسية، وفيما يلي نستعرض أسباب ودوافع العنف داخل الأسرة، وما الذي يدفع الفرد للعنف ضد أفراد أسرته، وإن كانت معرفتنا وبحثنا عن دوافع هذا العنف لا تعني قبولنا لهذا السلوك، لكن نستعرض هذه الدوافع في إطار المحاولة لحل هذه المشكلة والتخلص منها نهائيًا، فدائمًا حل المشكلة يأتي من خلال معرفة أسبابها، هيا بنا إذا نستعرض هذه الأسباب.
- دوافع اجتماعية
هناك الكثير من الدوافع الاجتماعية للعنف الأسري، منها التنشئة الاجتماعية الخاطئة، فالمجتمعات العربية تنشئ الرجل على أن له اليد العليا، ويجب عليه أن يتعامل بهذه الطريقة العنيفة، وإلا نعت بالضعف والتخاذل، كما أن بعض الأسر تنشأ فتياتهن على الخضوع، بالإضافة للأسباب السابقة فالطفل الذي ينشأ في أسرة تتعامل بطريقة عنيفة، ينشأ على اعتماد هذا الأسلوب في حياته فيما بعد.
- دوافع اقتصادية
تسبب الظروف الاقتصادية المتدنية في بعض الأحيان ظهورًا للعنف الأسري، ويكون ذلك بسبب قلة ذات اليد، فالدخل المادي القليل للزوج وعدم قدرته على تلبية احتياجات أسرته يجعله دائم العصبية، ودائم الشجار مع زوجته ربما لشعوره بالضعف وعدم القدرة، كما أن بعض الأسباب الاقتصادية تعود لعمل الزوجة، فينشأ خلاف حول طريقة إنفاق راتبها، هل تنفقه كله في المنزل أو جزء منه، مما يؤدي لتصاعد الخلاف بين الزوجين، والذي يتطور في بعض الأحيان وتتصاعد وتيرته، ويؤدي لحدوث العنف والاعتداء بين الزوجين.
- دوافع نفسية
وهذه الدوافع تكون داخل الشخص نفسه، فبعض الأشخاص تحدث لهم أحداث في الطفولة تظل عالقة بداخلهم، وتؤثر عليهم نفسيًا، فقد تؤدي إلى قلة الثقة بالنفس، وضعف تقدير الذات، ويعالج الشخص هذا بالضغط على الطرف الآخر، وانتقاده بصفة مستمرة، وتوبيخه، وذلك حتى يخفي ضعفه وقلة تقديره لذاته.
أشكال العنف الأسري
للعنف أشكال وأمثلة مختلفة، فهناك أنواع مختلفة للإساءة التي يتعرض لها الشخص، فقد يكون العنف جسديًا، أو نفسيًا، أو عاطفيًا، أو اقتصاديًا، أو جنسيًا، وفيما يلي سنوضح أشكال كل نوع.
- العنف الجسدي
ويظهر من خلال استخدام القوة الجسدية ضد الآخر، من ضرب، وصفع، ودفع بقوة، ويؤدي العنف الجسدي لظهور آثار جسدية على الشخص المُعَنَف، وهناك الكثير من الدراسات التي أثبتت أن العنف الجسدي يكون موجهًا أكثر تجاه المرأة، كما يوجه أيضًا ضد الأطفال، ويظهر في بعض الأحيان في بعض البيئات الفقيرة اقتصاديًا، والتي ترسل أطفالها للعمل في سن صغيرة، وهذا يعرضهم للاعتداء الجسدي عليهم من ضرب، وصفع من رب العمل، وبالرغم من أن تأثير العنف الجسدي يظهر من خلال وجود كدمات، أو كسور إلا أن تأثيره الأبعد على نفسية الشخص، لا يقارن من حيث السوء بالتأثير الجسدي.
- العنف النفسي
ويظهر من خلال بعض التصرفات مثل التخويف، والإرهاب، والتهديد الدائم له، والاعتداء عليه جسديًا ونفسيًا، مما يؤثر عليه نفسيًا ويصيبه بالإحباطات النفسية، وفي بعض الحالات يصاب الشخص بالأمراض النفسية مثل الاكتئاب، والتوتر، والخوف الشديد، وعدم الثقة بالنفس، ويصاب بعض الأطفال بالعدوانية، والتأخر الدراسي.
- العنف العاطفي
ويظهر ذلك من خلال التعامل بجفاء عاطفي، وعدم إظهار الحب، والمودة، والرحمة، وعدم احتواء الآخر، وعدم إشعاره بأهميته ومكانته في الأسرة، مع التقليل منه ومن قدراته، والإساءة اللفظية، والإهانة المستمرة، والسخرية منه.
- العنف المالي أو الاقتصادي
وذلك من خلال السيطرة المالية على الآخر، مما يجعل الآخر معتمدًا اعتمادًا كليًا عليه من الناحية المالية، ويظهر ذلك من خلال عدم إعطائه المال، أو أخذ المال منه بالإجبار إذا كان يمتلك مالًا، مع التدخل الدائم والسافر في طريقة إنفاقه لأمواله، أو أخذ أمواله والسيطرة عليها بغير رغبته.
آثار العنف الأسري
للعنف الأسري تأثير كبير على جميع أفراد الأسرة، وهذا التأثير لايمتد فقط للآثار الجسدية، ولكنه أيضًا يؤثر على الحالة النفسية لأفراد الأسرة، وخصوصًا على الأطفال لأن تأثيره يكون بعيد المدى وليس وقتيًا فقط، ففي بعض الأحيان يترك آثارًا نفسية على الأطفال تستمر معهم حتى سن البلوغ، وفيما يلي آثار العنف على الأطفال والكبار.
تأثير العنف على الأطفال
يؤثر العنف على الأطفال تأثيرًا كبيرًا، سواء كان هذا العنف موجهًا للطفل نفسه أو تجاه أحد الشريكين من الشريك الآخر أمام الأطفال، فقد يشعر الطفل بالخوف، والتوتر، والقلق الشديد، وعدم الشعور بالأمان، مع شعوره بالنفور تجاه المُعَنِف سواء كان الأب أو الأم، والأطفال الذين يتعرضون للعنف المنزلي مباشرة، أو بالمشاهدة يؤثر هذا على نفسيتهم تأثيرًا كبيرًا، فيشعرون طوال الوقت بالخوف، والقلق، كما يظهر لديهم سلوك عدواني تجاه أقرانهم بالمدرسة، وقد يعانون من الاكتئاب، كما يؤثر العنف المنزلي على تحصيلهم الدراسي ويؤدي إلى مستو متدن في الدراسة.
تأثير العنف على المرأة
يؤثر العنف المنزلي على المرأة تأثيرًا مدمرًا، فهو يؤدي في بعض الأحيان إلى الخوف على النفس، والخوف على الأطفال من الأذى، كما يصيب الشخص بفقدان الثقة بالنفس، وقلة تقدير الذات، الوحدة والعزلة عن الأسرة الكبيرة والمجتمع، كما أنه يؤدي إلى الإصابة بنوبات من الخوف، والرعب الشديد، والتوتر، وقد يصاب البعض بالاكتئاب، كما يؤدي إلى مشاكل صحية على المدى الطويل مثل، الإصابة بمشاكل الجهاز الهضمي، ومشاكل الضغط المرتفع.
طرق علاج العنف الأسري
لن يتم التخلص من العنف الأسري إلا بالرجوع إلى البناء السليم للأسرة، ذلك البناء القائم على التنشئة الدينية والأخلاقية السليمة، فالتربية السليمة القائمة على أسس وأخلاق ومبادئ هي المعول الأول لوقف العنف، فالتوعية الدينية والأخلاقية السليمة هي أول الطرق للتخلص من العنف.
فيجب توعية أفراد المجتمع بخلق النبي صلى الله عليه وسلم وذلك للاقتداء به في معاملاتهم، فقد كان صلى الله عليه وسلم يتعامل مع زوجاته وأبنائه وحتى مواليه بالرحمة والمودة، فقد ثبت عنه في أحاديث الصحابة أنه لم يعنف أحدًا، ولم يلطم خدًا، وكان ينادي الجميع بأحب الأسماء إليهم، حتى أنه كان يعامل خدمه بالرفق واللين، لذلك فلابد من التوعية بحياة وسلوكيات النبي صلى الله عليه وسلم للاقتداء بها، كما يجب الاقتداء به أيضًا في الاختيار السليم للزوجين، وتربية الأبناء، وكيفية التعامل معهم، واحترام الأبوين، وتربية الأبناء على اكتساب سلوكيات الإسلام في المعاملات.
مع توعية المقبلين على الزواج عن كيفية التعامل الأمثل فيما بينهما، من ضرورة انتهاج الحوار والمناقشة بطريقة صحيحة في التعامل بينهما، وتوعيتهم بالمساواة في التعامل بين الأبناء، مع منح الأبناء الإشباع العاطفي، والنفسي، والمادي، ومحاولة تكوين صداقة مع الأبناء لإكسابهم الثقة بالنفس، مع غرس قيم الدين، والأخلاق، والمبادئ في نفوس الأبناء وتربيتهم عليها منذ الصغر، مع توعية الزوجين بحسن العشرة فيما بينهما كما أمر الإسلام، فقد دعا الإسلام للتعامل بالمودة والرحمة فيما بينهما.
كما يجب نشر ثقافة احترام الآخر، وتعريف كل منهما بحقوق شريك حياته، كما يجب على المؤسسات المجتمعية والإعلامية نشر التوعية بأضرار وآثار العنف الأسري على أفراد الأسرة والمجتمع، فهذه التوعية من أفضل الوسائل للوصول للسلام الأسري.
الأسئلة الشائعة عن العنف الأسري
هناك بعض الأسئلة الشائعة عن العنف الأسري، تنتشر هذه الاستفسارات كثيرًا بين أفراد المجتمع منها:
هناك الكثير من العلامات للعنف الأسري، منها ما يكون ظاهرًا على الجسد نتيجة الاعتداء بالضرب، وهناك علامات أخرى مثل السخرية من الشخص، والتقليل منه، وتهديده، وعزله عن أفراد أسرته ومجتمعه.
نعم، قد يتعرض كبار السن للعنف من ذويهم، ويظهر ذلك في سوء المعاملة، عدم الاهتمام بهم، عدم زيارتهم والسؤال عن أحوالهم، إهمالهم، وعدم رعايتهم، الجفاء العاطفي تجاههم، عدم تقديم الرعاية الصحية لهم.
نعم يؤثر، فهو يؤدي إلى ارتفاع نسبة الجريمة، كما أن العنف الأسري يؤدي إلى تفكك الأسرة مما يؤدي بدوره إلى زيادة نسبة التشرد والتسول عند الأطفال.
وختامًا فالعنف الأسري دائرة لن تنتهي إلا بحل المشكلة من جذورها، ولن يتم لنا ذلك إلا بالتوعية الدينية، ونشر مبادئ الرحمة، والتعاون، واحترام الآخر وتقديره بين أفراد المجتمع، وذلك لينشأ مجتمع متضامن يحمل بين طياته الأمن والسلام للجميع.