الحب والصحة النفسية .. هل الحب يعزز الصحة النفسية؟
علاقة حب صحية واحدة يمكنها أن تغير حياتنا للأفضل، بل إن الحب لديه قدرة خارقة على تعزيز صحتنا النفسية وحمايتنا من كثير من الاضطرابات النفسية، فالحب شفاء، يمكنه أن يعطينا فرصة جديدة لاستقبال الحياة بثقة، أن تجد شخصًا يحبك ويدعمك فذلك يبعث في داخلك شعورًا قد يغنيك عن العالم كله. هل هذا صحيح؟ تابع معنا في هذا المقال لتعرف أكثر عن الحب والصحة النفسية.
الحب والصحة النفسية منذ الطفولة
إنها أهم فترة يحتاج فيها الإنسان للحب والاهتمام، فهو احتياج غريزي فطري يجب أن يتم تلبيته عند أطفالنا، وخاصة من الأهل والدائرة المقربة، وإذا لم تتم تلبية هذا الاحتياج وإشباع رغبة الطفل في الإحساس بالحب والقبول وتلقي الدعم الدائم، فلن يؤثر هذا فقط على سلوكه وجعله عدواني، وعلى مستوى تحصيله الدراسي وعلاقته بزملائه والمحيطين به، بل يمتد هذا التأثير معه حين يكبر في مرحلة المراهقة والشباب أيضًا، فيخلق شخصًا يعاني من الهشاشة النفسية وأكثر عرضة للإصابة بالاضطرابات النفسية.
الاحتياج الشديد للاحتضان
من أقوى وسائل التعبير عن الحب هو الاحتضان، وبالرغم من ندرة التلامس الجسدي بين الأهل والأصدقاء، وانتشار حالة من الجفاف العاطفي وعدم القدرة على طلب الدعم بل وتقديمه، إلا أن الدراسات والأبحاث أثبتت إحتياج الفرد للحصول على الأحضان بعدد لا يقل عن 4 مرات يوميًا حتى يظل بحالة نفسية صحية، وكلما زاد حصول الشخص على الأحضان عزَزَ ذلك من قوته النفسية وقدرته على مواجهة الحياة، فالحب والصحة النفسية أمران متلازمان بل إن من أكثر طرق الوقاية من الأمراض النفسية والعقلية وسرعة التعافي، هو الحصول على الحب والدعم الاجتماعي.
العلاقات الصحية تجعلك سعيدًا
علاقة الحب الصحية بين الزوجين أو مع شريك الحياة تلعب دورًا كبيرًا في تعزيز الصحة النفسية والذهنية بل والجسدية أيضًا، ولكن يعتبر الأهل والوالدان تحديدًا هما المسؤولان بشكل أساسي عن تعزيز الشعور لديك بأنك محبوب منذ الصغر، وأيضًا يكون للأصدقاء دور في ذلك، وعلى النقيض تمامًا، فوجود أهل غير داعمين أو الدخول فى علاقات سامة ومُستنزفة يؤدي إلى زيادة التوتر والقلق بشكل عام، ونقصان الثقة في النفس وبالتالي فيمن حولك، وقد يعرضك للإصابة بالاكتئاب في بعض الحالات.
تعزيز الثقة بالنفس
قد تبذل جهدًا كبيرًا وتحاول محاولات شتى لتحقيق الإنجازات والظهور أمام الناس لتصل إلى درجة مرضية من الشعور بالقيمة الذاتية وتعزيز الثقة بالنفس، ولكن هناك طريقة أخرى لتعزيز هذه المشاعر بشكل كبير والتيقن بأنك شخص مهم دون الحاجة لإنجازات خارقة، السر يكمن في الحب، فهو من أهم وسائل تعزيز الثقة بالنفس بداخلنا، ولا يعني هذا بأن نحصر قيمتنا الذاتية في قبول من حولنا، ولكن أن نحيط أنفسنا بمن يدعموننا ويعززون هذه المشاعر بداخلنا.
الأوكسيتوسين وعلاقته بالحب والصحة النفسية
هرمون الحب، هذا الهرمون يفرز طبيعيًا عند حدوث ملامسة جسدية، ويزداد إفرازه في الحالات الآتية:
- أثناء الولادة لزيادة انقباضات الرحم وتسهيل خروج الجنين.
- عند الرضاعة، ويعزز هذا من ارتباط الطفل بأمه.
- أثناء الحمل.
- عند حدوث الملامسة الجسدية أو الاحتضان.
- ويزداد أيضًا عند الوقوع في الحب مما يسبب شعورًا بالسعادة.
فوائد هرمون الأوكسيتوسين
يؤثر هذا الهرمون تأثيرًا إيجابيًا على الصحة النفسية وتظهر تأثيراته فيما يلي:
- تقليل الشعور بالقلق والتوتر.
- انخفاض ضغط الدم.
- تعزيز الشعور بالثقة.
- زيادة الثبات الانفعالي والقدرة على إتخاذ القرارات الصائبة.
- التقليل من فرصة الإصابة بالتوحد وبعض الأمراض النفسية.
- تعزيز صحة الجهاز المناعي.
- زيادة الشعور بالسعادة.
- تقوية العلاقة بين الزوجين.
- الحفاظ على الشباب.
وقد أثبتت الدراسات أنه كلما زاد هرمون الأوكسيتوسين عند الأم في أشهر الحمل الثلاثة الأولى، قوى ذلك من علاقتها بطفلها فيما بعد.
وفي دراسة تمت على مجموعة من النساء المتزوجات بتعريضهن لصدمة كهربية، وعندما كانت النساء يمسكن بأيدي أزواجهن، ظهرت استجابة أقل في مناطق الدماغ المرتبطة بالتوتر. وهذا بالتأكيد يحدث في الزواج الصحي.
عندما تفقد الشعور بالحب
تشعر بأنك شخص سيء جدًا، ربما أسوء شخص على الكوكب، لست محبوبًا ويراودك الإحساس بأنك غير كاف، وأنك لن تستطيع، أو أنك حتمًا ستفشل، تنظر العالم بوَحشة، شعور بالغربة والوحدة والرغبة في الإنعزال، تتخذ حيلًا دفاعيةً لا واعية في محاولة التخلص من ألمك، وربما تميل إلى إيذاء نفسك للتأقلم مع المشاعر العاطفية السلبية، يحدث كل هذا عندما تكون فاقدًا للشعور بالحب.
برغم أن الشعور بأنك غير محبوب أو غير مرغوب فيك من قِبل الأهل منذ الصغر يكون له أثر سلبي طويل الأمد، إلا أنه يمكن التعافي من ألم هذا الشعور واستعادة الثقة بالنفس، وتعتبر هذه الظاهرة منتشرة جدًا بين كثير من الأطفال الذين لم يحصلوا على الحب والدعم والكافي واستمرت معاناتهم في الكبر أيضًا، وإليك أشهر التأثيرات السلبية التي يسببها فقدان الحب في مرحلة الطفولة:
- التعلق المَرضي بالأشخاص.
- خلل في مستوى الذكاء العاطفي.
- عدم الشعور بالقيمة الذاتية.
- انعدام الثقة.
- عدم القدرة على وضع حدود نفسية تجاه الآخرين بشكل صحيح.
- الإنجذاب للأشخاص والعلاقات السامة.
- الخوف دائمًا من الفشل.
- الميل إلى العُزلة بشكل مفرط.
- حساسية مفرطة وهشاشة نفسية.
- الشعور بعدم الأمان.
- الإصابة ببعض الاضطرابات النفسية مثل:القلق، الاكتئاب والرهاب الإجتماعي.
كيف تتعافى من الشعور بأنك غير محبوب؟
يمكنك اتباع بعض الخطوات لاكتشاف ذاتك وتحسين صحتك النفسية وعلاقتك بنفسك من خلال التالي:
- كن صبورًا ومتعاطفًا مع نفسك ولا تقدم اللوم عليها.
- تعلم أن تحب ذاتك وأن تعرف ما الذي يحفزك ويجعلك سعيدًا، عزز من قيمة نفسك واسعى لرحلة التعافي.
- راجع ماضيك والمواقف التي تعرضت لها وأثرت بك سلبًا، لاحظ تأثيرها وتفهم ما مررت به.
- يمكنك الاستعانة بالكتب لتفهم طبيعة النفس وكيفية تزكيتها والتعامل معها.
- كون مجموعة من الأصدقاء الذين تحبهم ويحبونك وعزز علاقتك بهم.
الحب غير المشروط
عندما نسمع هذه العبارة قد نظن أن هذا النوع من الحب لا يقدمه إلا الآباء والأمهات، ولكن الحقيقة المؤسفة أنه ليس كذلك، فأغلب علاقات الوالدين بأبنائهم تكون حبًا مشروطًا، ولكي نستطيع أن نحكم إذا كان الحب الذي نقدمه أو نتلقاه مشروطًا أو لا فعلينا بفهم ماذا يعني بالضبط.
الحب المشروط هو تقديم الحب والدعم في كل الأحوال والظروف الجيدة والسيئة، دون انتظار مقابل أو إشعار الشخص الآخر بأنه مديون لنا، فمثلا عندما تغضب من ابنك لرسوبه في مادة، أو عدم قدرته على الالتحاق بكلية معينة فهذا حب مشروط غير صحي، وأيضًا عندما تقدم لشريك حياتك الدعم ومن ثَم تنتظر منه أن يشكرك ويظل ممتنًا لك.
وبالرغم من ذلك، فهناك حدود في أي علاقة لا يجب أن يتم التعدي عليها، مثل: الاحترام المتبادل، والشعور بالأمان، والتعامل بلطف، فالحب غير المشروط ليس حبًا بلا حدود ملزم بأن تقدمه حتى وإن كان الطرف الآخر يؤذيك أو لا يقدرك بل عليك الانسحاب في هذه الحالة.
كيف تقدم حبًا غير مشروطًا؟
لكي تقدم حبًا صادقًا ومخلصًا غير منتظرًا مردودًا من الطرف الآخر، وتتأكد أنه حب صحي غير مشروط عليك مراعاة التالي:
- كي تحب شخص آخر حبًا غير مشروطًا، فعليك أن تقدم هذا الحب لنفسك أولًا وتتقبلها كما هي.
- اسأل نفسك هل تنتظر مقابلًا أو رد فعل معين من الطرف الآخر تجاه الحب الذي تقدمه في الوقت الحالي أو مستقبلًا ؟ فعليك تقديم الحب لذاته فقط.
- كن مؤمنًا بشريك حياتك أو صديقك أو طفلك، وقدم له الدعم النفسي والتقدير، وتغاضى عن زلاته وسامحه، وامدح محاسنه.
- تعامل بشفافية، وكن عفويًا وصريحًا.
- كن مستمًعا جيدًا وأعط الاهتمام لما يتحدث عنه الطرف الآخر.
هكذا نكون قد تحدثنا عن أهمية الحب والصحة النفسية، وعلمنا أنه ليس بالأمر الهين ولا يمثل رفاهية في حياتنا، بل هو من أهم ضروريات الحياة، فإذا كنتِ أمًا أو كنتَ أبا فاحرص على تقديم الدعم والحب الصحي والحنان لأولادك ولا تتركهم يشعرون بالرفض وعدم القبول، تعلًُم أساليب التربية الجيدة سوف يساعدك في ذلك، وعلى أي حال قدم الدعم الدائم والحب لمن حولك وأشعرهم بأنهم محبوبون فلا تعلم كم سيؤثر دعمك فيهم، وفي حالة إذا كنت مازلت تعاني ولا تستطيع مساعدة نفسك بالخطوات المذكورة في الأعلى، فعليك الاستعانة بالطبيب النفسي حتى يقدم لك الدعم اللازم.